الأربعاء، 2 مايو 2018

دوائر

أفكر دائمًا بالصديقات، الصديقات اللاتي جمعتني بهن ظروف معينة ولن تتهيأ مرة أخرى، صديقات البلاد البعيدة، اللاتي جئن من مشرق أرض ومغرب، محمّلات بأحلام وآمال وجنون كثير، فبعثن فيني حلمًا أو أملاً أو جنونًا مخبوءًا، صغيرات وكبيرات، بسيطات ومعقّدات، مسالمات ومحارِبات، ودّعتُ بعضهن وسأودّع بعضًا، وسيودعنني يومًا. ترهقني الفكرة كثيرًا، أن تصير كل منا في بلاد، قد يبعثن لي صور مدُنِهنّ، قد نتواصل لزمن، سنبقى نعد بعضنا بالوصل طالما مددتنا الحياة بطرق الوصل، وكم أخاف أن تتغيّر الأحلام وتبهت الذكريات؛ فتتقطّع الحبال، وتغيب الملامح إلى الأبد. فكرة أنك لن تلتقي صديقًا بعد الآن وأنت متيقن من ذلك مخيفة إلى حد لا يُشرح، قد ألتقي ببعضهن، بصدفة أو ميعاد، ولكن أن نكون كلنا سويًا؛ في مكان واحد؛ نجتمع ونتفرّق، نتعارك ونتصالح، ونضحك ونبكي، ونفترش الأرض ونأكل، ونحْضر فيلمًا أو عرضًا، أو أغنية، ونتحدث لساعات، ونصمت لساعات، ونفهم ولا نفهم، ونغضب ونمقت، ونعود نحب، ونرمي الهموم، ونحمل الهموم، لن يتكرر ذلك ثانية، لن تعود لنا أرض واحدة مشتركة، ستحاصرنا الحدود والفيزا وجوازات السفر، وذلّ العباد، وقهر البلاد، وترتمي كلٌ في طريقها، بالنهاية سينشغلن، وسيلُذْن إلى بيوتهن وحيواتهنّ، وسينسينَني، أو يذكرنني بطرف حديث، أو يمررن على اسمي والسلام.
وَعدتُ وأعطينني وعودًا، سأزورك، حتمًا، في بنزرت، في لاهور، في الحديدة، في صنعاء، في بغداد، في كشمير، في بنين، في وفي وفي ... ولا أدري أي وعد سيصدق، وأي وعد ستأخذنا الأيام عنه، فلا نعود نبالي، وتذبل كل تلك المشاعر، وتأتينا مشاعر جديدة، نعود نعيشها في دائرة أخرى.




"يا أحلى أيام العمر ... شوفة عيونك مُنيتي لكنه مو بيدي"

الكويت   1 مايو 2018



* أسمع أغنية من كل بلد فلا تعود ذكراكنّ مصيبة