كنا في بدايات التعليم النظامي في الكويت، وفي أيام الشتاء الباردة كان الواحد فينا يهوي على الأرض في الصباح الباكر يتلوى من شدة الجوع، قد يكون قضى أيامًا لم يأكل فيها شيئًا مغذيًا، وذلك من شدة الفقر والحاجة، وحين يُعلن عن وجود مساعدات للطلبة، أنه من يحتاج قلمًا أو دفترًا فليتوجه إلى المخزن ليأخذ ما يحتاج بالمجان ،، لم يكن أحد منا يذهب!! بالرغم من الفقر الذي كنا فيه!! لا أحد يتجرأ ليذهب ويأخذ ما هو من حقه أساسًا، كان الحياء يمنعنا، وعبارة: "شنو أنا طرار!!" نرددها بين أنفسنا لنمنعها من فعل ذلك! *
آلمني هذا الموقف كثيرًا، وحين نرى الناس وما هم عليه الآن، نقول أين هم من أبناء ذلك الزمن،
كانوا في فقر وضيق، وعزة نفسهم تمنعهم من أخذ شيء من غيرهم، ولو كانوا يستحقونه، ولو كانت الدولة من يوفر لهم ذلك.
الآن الناس أصبحت لا تصدق حين تسمع عن أي شيء يُعطى ويُدفع هنا وهناك إلا وذهبت وتسابقت للحصول عليه، بل وتزاحمت وتدافعت، وربما تعاركت من أجل أخذ أي شيء مادي، مادامت الدولة هي من تقدمه فلماذا لا نأخذه؟ نحن نستحقه بالتأكيد!
المحتاجون وغير المحتاجين، ما دام هناك شيء مجاني ومن حقنا الحصول عليه،، لمَ لا؟!
حتى إنهم لا يتورعون عن أخذ ما ليس من حقهم، فكيف بالذي يحسبونه حقًا وواجبًا من الدولة حسب ظنهم!
أخذ مساعدات من وزارة الشئون صار شيئا عاديًا، حين كان في السابق عار كبير
والتدافع على أي مبلغ أو معونة أو حتى مواد تموينية يعلن عنها بالخطأ،،
بل أنني لا أستغرب إذا ما كان التسابق على مبلغ زهيد وليس بشيء،،
يا أخي حتى لو أنه من حقك وليس بمال حرام، فكر قبل أن تنزل من قدر نفسك وتمد يدك: هل أنت محتاج بالفعل؟
أسمع أن هناك أسر متعففة وهي بالفعل محتاجة، تتعفف ولا تطلب الناس، وهؤلاء الذين هم في خير ونعمة لا تمنعهم عزة أنفسهم من أخذ شيء هم ليسوا بحاجة له ...
ذهبت عزة النفس، والمروءة في تناقص، وضاعت شِيَم الرجال ...
*نقلاً عن السيد عماد المطوع بتصرف