الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

الملهاة



لعل الله يعفو عن قلبك حين أخفق فيما مضى، لعله يغفر تقصيره ونسيانه، لعله يتجاوز عن أخطائه اللا محدودة، قلبك الضعيف الواهن، العاجز عن الوصول، الراغب في المستحيل، الغارق في الأمل...
الطرقات التي بكيتَ فيها كثيرًا لم تعد تتسع لدمعة، الوحدة التي سكنتك لم تدع المجال لبيوت ولا غرف، أصدقاؤك القدامى صمّوا آذانهم لئلا تصرخ فيها أكثر، أصدقاؤك الجدد توَلوا وأعينهم تفيض من الدمع لمّا عرفوا كربك.
قد نسيَك البحر الذي ضلّ فيه دعاؤك، ولم تنسَ أنت وظللت في رحلة بحثك، ما أمِنتَ العودة فيه تارة أخرى فغرقت.
يتساءل قلبك عن المركب إن بقي له أثر.. تظل أنت تتساءل عن كل ما فقدت وكل ما جرى إن كانت منه جدوى..
تنظر إلى حياتك التي مرّت من بين يديك، وتنظر إلى عمرك الذي ظلْتَ عليه عاكفًا،

 لقد ذقتَ ضِعف الحياة وضِعف الممات. 


الأحد، 14 مايو 2017

درس آخر

طبعي الصامت لم يكن وسيلة كافية لئلا أحاط بالثرثارين بين الحين والحين. شريكتي في السكن كانت تملك قدرة هائلة على الكلام. في الصباح الباكر حين تفتح عينيها كانت تفتح فمها مباشرة وتثرثر، وكأنها صاحية منذ أمد. كنت ألوذ بالصمت وأتركها تثرثر للا أحد. كيف لها أن تستعيد صوتها فور استيقاظها؟ لا أحد يملك صوته في الساعات الأولى من الصباح؛ في أول ساعة على الأقل.
أذكر أنه كان صباحًا من رمضان حين قررنا أن نخرج لنقضي مشاويرنا. خرجنا ولسوء حظنا لم نجد سيارة تقلنا فمشينا إلى نقطة الباص. كانت تثرثر على امتداد الطريق عن أشياء لم أفهمها. في القطار لم تسكت للحظة وظلت تتكلم عن كل شيء، وأنا صامتة أفكر في اللحظة التي سأصرخ فيها: كفى! ولكن لم أفعل. فكرت فيما لو أنها ما تزال صائمة. استمررتُ بالصمت وأغمضت عيني متخيلة أن المقعد يسحبني إلى الأسفل وأدور في دوامة بعيدة.
بعد مدة انفصلنا بحكم انتقالها لجامعة أخرى. جاءت لزيارتي في إحدى المرات ومعها زميل لها. فور التقائنا تركتني والزميل لتلقي التحية على بعض الأصحاب القدامى. فورًا قلت للرجل بأنني سأمضي لأنها ستتأخر ولابد في إلقائها التحايا. أجاب على الفور: "أكيد، فلانة تحجي هواي" وبدأ بالشكوى حول كيف أنها لم تصمت للحظة طول طريقهم إلى هنا!
ضحكت ومضيت، الآن بتُّ لا أنزعج من أحاديثها. حين تتصل أعلم أنني لن أغلق السماعة في أقل من ساعة، ولكني أجيب على أي حال. صرت أقول إنه درس في الصبر ولابد. درس في التحمل، درس في إعطاء الآخرين مساحتهم التي يحتاجون إليها.