الثلاثاء، 11 سبتمبر 2018

أبواب

لم يعد باب الغرفة المجاورة الوحيد الذي يُفتح ويُغلق، بعد أن عادت الفتيات من الإجازة الصيفية وامتلأ المبنى عن آخره. كنت أميّز باب رفيقتي حين تأتي وحين تذهب، فأعمل صورة في ذهني لجدولها اليومي، وعليه أرسم جدولي من مرافقتها أو البقاء بمفردي، أما الآن فلا. أبواب كثيرة دخلت بيننا مما صعّب عليّ المهمة. أبواب تفتح وأبواب تغلق، بعضها يُترك دون إقفال، وبعضها يقفل مرة أو مرتين. في الصباح يبدأ اليوم مع شروع الأبواب بالعمل، فتحٌ وإغلاق، حركة دؤوبة مستمرة، تبدأ منذ السادسة ولا تهدأ إلا بعد منتصف الليل وأكثر.
في السادسة وما قبلها تُفتح الأبواب الهادئة، لصاحباتها اللاتي يعين معاني الفجر والصلاة والتأمل والرياضة، تليها أبواب الثامنة لفتيات المحاضرات المبكرة، واللاتي يهممن باللّحاق بالباص ولا يفوّتن الإفطار. أبواب التاسعة والعاشرة أبواب مزعجة متتالية يصفق بعضها بعضًا، تصاحبها أصوات صاخبة ونداءات متكررة لأسماء مصغّرة، يستحثن بعضهن للنزول وإلا تأخرن وفوّتن الباص. في فترة الظهيرة يهدأ المكان، وتعود الطيور تغرّد وتصفر وتملأ المكان بحياتها، بعد أن عمّ الهدوء وعاد الأمان من جديد، تستطيع حينها أن تنزوي هادئًا في غرفتك تقرأ وتكتب، وتعد كوبًا من القهوة، أو تنزل لتغسل ملابسك. في المساء؛ تبدأ الأبواب بالعمل مرة أخرى، وتتناوب فتحًا وإغلاقًا، في منافسة محمومة أيها أعلى صوتًا، باب يضيق بهمّ صاحبته، وباب لا تسعه فرحة. باب يُفتح لاستقبال عزيز، وباب يوصد في وجه متطفل. باب يؤوي إليه من يشاء، ويُرجي من يشاء.

الثلاثاء، 3 يوليو 2018

اِلتقاء

أنت تخرج للجري مع شريكك في السكن الذي عرفته حديثًا ولا أشياء كثيرة مشتركة بينكما، أو توجد أشياء مشتركة لم تتشاركاها بعد، تبدآن بالمشي وأحاديث عادية تدور بينكما قد تضحكان منها وقد لا تضحكان، حواركما لا يشمل أي حديث عن فلان وفلان، هناك أمور العمل، وأمور الدراسة، وأمور الحياة اليومية: تعليق لأستاذك في الفصل، إجراء روتيني نسيته، أحداث عادية جرت لأسرة أحدكما هذا المساء، مشهد من مسلسل، وأحاديث شتى متفرقة لا تعنى بأحد، ولا تؤذي أحدًا.
تبدآن بالركض فيسود الصمت ويكثر الهواء الذي تدفعانه من صدوركما إلى خارجها، لا تشعران بالضيق إزاء صوت التنفس السريع هذا، تستمران بالركض وتتوقفان معًا للراحة والمشي، بعد أن حفظتما أماكن التوقف ونقاط البدء، لقد فهمتما كيف تجري الأمور، ليست هناك دواعٍ للنقاش أو الجدال، تتفقان من نظرة ومن حركة، لا شيء يعكر صفو يومكما الهادئ، ولا صور درامية يمكن أن يحدثها أيٌّ منكما، إن أردتما خرجتما للغداء سويًا، أو بقي كلٌ في غرفته، لا خلاف على أي شيء، لا حاجة لإبراز النفس وتبريرها للآخر، لا حاجة لسرد قصة حياتكما منذ البداية، كلاكما لا يبالي، تؤمنان بأن الحياة أجمل حين تتشاركان اللحظات الصافية المنشرحة، كأن تلحظا منظر الغروب من الشرفة، أو تُبديا تعليقًا على غزارة المطر، أو تستمعا إلى أغنية تعجبكما سويًا، فتفهمان أن روحيكما هناك معًا، كانت من قبل، وستبقى من بعد.


إلى سناء ... الصديقة السهلة

الأربعاء، 2 مايو 2018

دوائر

أفكر دائمًا بالصديقات، الصديقات اللاتي جمعتني بهن ظروف معينة ولن تتهيأ مرة أخرى، صديقات البلاد البعيدة، اللاتي جئن من مشرق أرض ومغرب، محمّلات بأحلام وآمال وجنون كثير، فبعثن فيني حلمًا أو أملاً أو جنونًا مخبوءًا، صغيرات وكبيرات، بسيطات ومعقّدات، مسالمات ومحارِبات، ودّعتُ بعضهن وسأودّع بعضًا، وسيودعنني يومًا. ترهقني الفكرة كثيرًا، أن تصير كل منا في بلاد، قد يبعثن لي صور مدُنِهنّ، قد نتواصل لزمن، سنبقى نعد بعضنا بالوصل طالما مددتنا الحياة بطرق الوصل، وكم أخاف أن تتغيّر الأحلام وتبهت الذكريات؛ فتتقطّع الحبال، وتغيب الملامح إلى الأبد. فكرة أنك لن تلتقي صديقًا بعد الآن وأنت متيقن من ذلك مخيفة إلى حد لا يُشرح، قد ألتقي ببعضهن، بصدفة أو ميعاد، ولكن أن نكون كلنا سويًا؛ في مكان واحد؛ نجتمع ونتفرّق، نتعارك ونتصالح، ونضحك ونبكي، ونفترش الأرض ونأكل، ونحْضر فيلمًا أو عرضًا، أو أغنية، ونتحدث لساعات، ونصمت لساعات، ونفهم ولا نفهم، ونغضب ونمقت، ونعود نحب، ونرمي الهموم، ونحمل الهموم، لن يتكرر ذلك ثانية، لن تعود لنا أرض واحدة مشتركة، ستحاصرنا الحدود والفيزا وجوازات السفر، وذلّ العباد، وقهر البلاد، وترتمي كلٌ في طريقها، بالنهاية سينشغلن، وسيلُذْن إلى بيوتهن وحيواتهنّ، وسينسينَني، أو يذكرنني بطرف حديث، أو يمررن على اسمي والسلام.
وَعدتُ وأعطينني وعودًا، سأزورك، حتمًا، في بنزرت، في لاهور، في الحديدة، في صنعاء، في بغداد، في كشمير، في بنين، في وفي وفي ... ولا أدري أي وعد سيصدق، وأي وعد ستأخذنا الأيام عنه، فلا نعود نبالي، وتذبل كل تلك المشاعر، وتأتينا مشاعر جديدة، نعود نعيشها في دائرة أخرى.




"يا أحلى أيام العمر ... شوفة عيونك مُنيتي لكنه مو بيدي"

الكويت   1 مايو 2018



* أسمع أغنية من كل بلد فلا تعود ذكراكنّ مصيبة