الأحد، 30 نوفمبر 2014

باب الحذف

الحذف في كثير من الأحيان أبلغ من الذكر، بمعنى لو أنك صَمتَّ عن ذكر شيء معين سيكون صمتك أبلغ، وأعمق في التعبير عنه، وأقرب لفهم السامع.
جاء في سورة القصص "ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان، قال ما خطبكما، قالتا لا نسقي حتى يُصدر الرعاء وأبونا شيخٌ كبير، فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال ربَِ إني لما أنزلتَ إليّ من خيرٍ فقير" 
الأصل أن يقال: وجد أمة من الناس يسقون أغنامهم،و: وجد من دونهم امرأتين تذودان أغنامهما، و: قالتا لا نسقي أغنامنا، و: فسقى لهما غنمهما. ولكنه صمت عن ذكر الغنم فلم يشر إليها في أي موضع من المواضع الأربعة.
ولو تساءلنا عن ذلك فإن السبب هو لو أنه جاء بذكر الغنم سيتوهم السامع أن موسى عليه السلام لم يبادر إلى مساعدة الامرأتين إلا بسبب أغنامهما، وأن هذا العبء ثقيل عليهما من حيث أن رعاية الغنم صعبة، والذود عنها صعب، وسقيها الماء صعب، ذلك أن الغنم تنتشر وتتفرق في كل اتجاه، ليست كالبقر أو غيرها مما يرعاه الناس.
والحقيقة أن موسى عليه السلام ساعدهما لأجل المساعدة، ولمجرد عمل المرأة بدل الرجل، وليس بسبب صعوبة ذلك العمل.
فالحذف كان أبلغ لبيان كرمه عليه السلام، ومروءته، وشهامته.
وقس على ذلك أمثلة كثيرة مما جاء في القرآن وفي مجمل كلام العرب.