صورة لفراشة زرقاء علقتها على مكتبي، أهدتني إياها زميلتي في القسم .. وكأنها تعلم بأمر فراشتي الزرقاء أعلى المدونة ;)
لا أجد سببًا مقنعًا يدفعني للجلوس خلف هذا المكتب سبع ساعات متواصلة، لا يفصل بينها سوى لحظات قليلة موزعة ما بين إفطار سريع وصلاة ضحى وصلاة ظهر، لتبدأ المعاناة مع آلام الظهر والرقبة والمفاصل ..
أحيانًا أتمنى أن أكون ذلك المراسل الذي يتنقل بين الإدارات، ويجوب المؤسسة طولاً وعرضًا، حتمًا إنه لا يشعر بتلك الآلام التي تشتد على ظهري .. تغدو وتروح .. تشتد وتخف .. تهبط وترتفع .. وتتنقل من فقرة إلى أخرى بكل مكر وخبث، تستمتع في لهوها وهرولتها على تلك العظمات وبين جنباتها، ولا تشعر بحنقي عليها وغضبي المتطاير .. ألا تفهم تلك الإشارات التي أرسلها باعتدالي في جلستي وانحنائي مرارًا يمينـًا وشمالاً .. ووقوفي وجلوسي؟ كيف لا تفهم أنها إشارات تذمر وملل من ذلك الألم الذي تبعثه وتبثه في عظامي باستمرار؟
وفي أحيانٍ أخرى أود لو أنزل إلى الملعب الأخضر المجاور.. هرولات خفيفة فيه كفيلة بأن تـُذهب ما فيني .. لولا خوفي من العيون المتطفلة من خلف النوافذ العاكسة،، ستراني من حيث لا أراها .. وستضحك وتتجمهر وتشير بأصابعها وتسخر! لا لا لن أعرض نفسي لموقف كهذا من أجل وصلة ألم ستزول بعد ساعات معدودة!
ثم إنني سأطالب بتقليص عدد ساعات الدوام! نعم سأفعل! من سيسمعني؟! أبواب المسؤولين كلها مفتوحة وحاضرة لسماع جميع الشكاوى والمقترحات صدقوني! ألا تصدقونني؟؟؟!
يجب أن أتحرك لفعل شيء ينهي هذا العذاب!
خلال فترة وجيزة أنهيت قراءة عدد خيالي من الروايات! ليس لأنه لا شيء لدينا نعمله .. ولكن لأن عملنا ينتهي ومازال هناك فائض وقت!
شكوتُ لزميلتي هذا الأمر فكان ردها أنه لولا الساعات الفائضة هذه لما قرأتِ كل هذا .. ما اعتبرته انجاز يضاف لي ...
أحببتُ فكرتها .. ولكني أفضل استغلال هذه الساعات بالنوم بدلاً من القراءة ;)
الوقت يمر .. تشتد هذه الآلام وتصل ذروتها قبيل ساعة الانصراف، ليبدأ العد التنازلي المحسوب بدقة، ثم النظر المتواصل والمتنقل ما بين ساعة يدي وساعة الكمبيوتر وساعة الخلوي، حتى إذا ما حان الوقت لملمتُ أغراضي بسرعة وأعدت ترتيب الأشياء إلى أماكنها على سطح المكتب وداخل أدراجه وبين أرفف الخزائن، وأرجعت الكرسي الأزرق ليأخذ مكانه مندسًا بين أرجل المكتب وزواياه، وانطلقتُ مسرعة أسابق الزمن الفاصل بين ساعة انصرافنا وساعة انصراف الرجال .. خمسة عشر دقيقة ليست بكافية لتنسحب جميع النساء وتخلي المكان لأصحاب "الدشاديش" القاتمة و "الغتر" البيضاء ، ليتمكنوا من الانصراف بأريحية وهدوء، ودون مزاحمة عند أجهزة تقبل الأصابع وترتشف من شقوقها ما يثبت الهويات ..
حين أصل إلى سيارتي وأوشك أن أدير مفتاح التشغيل .. أشعر بأصابعي تقبض على القلم بشدة وتتحرك بطريقة ديناميكية لا تشبه الطريقة التي اعتدتها حين أدير المفتاح فيها، لأجد نفسي قابعة خلف المكتب ذاته الذي تطايرت منه أفكاري وتخيلتُ اليومَ وقد انقضى وحان وقت الرحيل .. ولازلت أكتب!
لازلت إذن في مكاني أعاني من آلام مبرحة أعلى الظهر ومن منتصفه، أنظر إلى تقويمٍ لم تزل صفحاته في بداياتها قليلة خفيفة تنتظر أن تـُطوى فوقها صفحات أخرى وأخرى لتحس بثقل دافئ ينيخ بأطرافه عليها .. فيريحها من عناء المسؤولية .. لتسترخي بهدوء .. تعلوها ابتسامة جاءت بعد انتهاء مدة خدمتها واستلام الصفحات الأخرى هذه المسؤولية ..
أنظر مجددًا إلى الرقم سبعة المطبوع في جبين الروزنامة .. إنه اليوم السابع من ميلاد المسيح .. وكلمة (الخميس) مستلقية على يمينه مبتسمة .. تشير إلى انتهاء أسبوع عمل .. وبداية لنهاية أسبوع :)